التضـامن الإغترابـي:
من الخـارج إلى الداخل
نحو لبنـان الغد!
الشباب هم الركن
الأساسي لنهضة كل بلدٍ،
فزخم وطنيتهم هو الحافز
الأكبر للإعمار، وطموحهم
المتوثّب هو الحدود الوحيدة
لأحلامهم اللامتناهية،
كما انه بقوة سواعدهم
فقط
"تعلى وتتعمَّر الدار"
كما تقول الأغنية.
أنطوان
جرمانوس
ما يغيب عن بال البعض
أنَّ الإعمار يأتي بعد
الدمار الَّذي تكون هجرة
الشباب من أبرز نتائجه
الديموغرافيَّة! وما
أكثر الحروب والدمار
في بلدٍ كلبنان. فبعد كمٍّ
من الحروب آخرها حرب صيف
2006، تقدِّر بعض المصادر
الإحصائيَّة نسبة الشباب
المغترب اللبناني بأنها
تفوق بـ4 أضعاف عدد الشباب
اللبناني الموجود على
أرض الوطن.
لكن، ورغم الغياب
الجسدي عن أرض الوطن،
تربط الشباب اللبناني
بأرضه علاقة الأرز بجذوره،
فلم ينقطع الشباب اللبناني
يوماً عن مساعدة بلده
الأم وعائلاته الموجودة
على أرضه؛ في هذا السياق
يجدر بنا التذكير بأنه
خلال الحرب العالميَّة
الأولى بلغت المساعدات
الَّتي قدمها المغتربون
إلى أهلهم في لبنان 904 ملايين
دولار أميركي ما كان ليستطيع
الشعب اللبناني الصمود
من دونها ومواجهة الجراد
والمجاعة والأمراض الَّتي
إكتسحت أرضه.
واليوم،
كما في الأمس كما في المستقبل،
تقوم دعائم الوطن الأساسيَّة
على مساعدات أبنائه المنتشرين
في مختلف بقاع الأرض ويشكل
تضامنهم الإغترابي ركيزة
أساسيَّة تقوم عليها
إعادة الإعمار المتوازن.
الجاليات
اللبنانيَّة منتشرة في
أنحاء الكرة الأرضيَّة
المختلفة، ولا ينقص أحد
من أفرادها الزخم او التحفيز،
لكن ما قد ينقصها في بعض
الأحيان هو التنظيم بغية
ترجمة النيات الحسنة
إلى مساعدات ماديَّة
تحقق مبتغاها داخل الوطن
الأم. وإلى جانب التنظيم
داخل الجالية، ثمة دور
على بلد الإغتراب القيام
به، وهو تشجيع اللبنانيين
على مساعدة وطنهم الأم،
كاستحداث أنظمة إعفاء
ضريبيَّة على دخل من يخصص
جزءاً منه لإعادة إعمار
بلده الأم. ففي هذه الخطوة
تحفيز اضافي لمن لديه
الرغبة في المساعدة.
ويقول
المتخصصون في هذا المجال
أن قانوناً كهذا سهل التطبيق
نسبيَّاً، وخصوصاً في
البلدان الَّتي تتمتَّع
بأنظمة ضرائبيَّة متطوِّرة
كأكثريَّة بلدان الإغتراب،
وهذا النظام نوعان، فإما
يكون الحسم الضريبي على
الجزء الَّمتبرَّع به
فقط، أو على كامل الدخل
إذا ما خصصت نسبة لافتة
منه كتبرعاتٍ لإعادة
الإعمار. وبالفعل، ثمة
أنظمةً كهذه موجودة حالياً
في بعض دول الإغتراب مثل
الولايات المتحدة الأميركيَّة
الَّتي تتبع النظام الأوَّل،
فيكون الحسم الضريبي
على الجزء المتبرّع به
فقط إذا ما ثبت أن هذا المال
ذهب إلى هيئات مسجَّلة
رسمياً في الولايات المتحدة
كمؤسسات لا تبغى الربح.
ومن الهيئات الناشطة
في هذا المجال والمعروفة
بصدقيتها العالية وحسن
إدارتها كما عدم تحيزها
ومساعدتها المتكافئة
لكل الفئات في لبنان،
"الحركة الوطنيَّة اللبنانيَّة-الأميركيَّة"
الَّتي تأسست في العام
2004، مقرّها الرئيسي في هيوستن
داخل ولاية تكساس الأميركيَّة،
وطبعاً لديها مكتب في
بيروت. يقول مدير مكتب
"الحركة الوطنية اللبنانية-الأميركية"
في لبنان، الدكتور مازن
مفرّج، أن التضامن الإغتراب
من أبرز الدعائم الّتي
تقوم عليها النهضة الإقتصاديّة
في لبنان والإعمار المتوازن.
ويشير مفرّج الى أن الحركة
تأسست عقب ملاحظة الفراغ
الكبير في الجالية اللبنانيّة
في الولايات المتحدة
والحاجة إلى ما يشبه الـLOBBY
الهدف منه جمع كل أفراد
الجالية حول هدفٍ أوحد
هو حب الوطن الأم ونيّة
إعادة إعماره.
أهداف الحركة
إجتماعيّة من جهّة، وسياسيّة
من جهّة أخرى. إجتماعيّة
من حيث الإهتمام بأطفالٍ
يتامى ونساءٍ مضطهدات
كذلك دعم مستشفيات تعنى
بأمراض السرطان، وسياسيّة
من حيث التحفيز على إيصال
صوت اللبنانيين في المهجر
ودعم حق اللبناني المغترب
في الإقتراع.
وفي هذا الإطار
يقول مفرّج أنه كانت للحركة
إجتماعات مع الهيئة الوطنيّة
لإعداد مشروع قانون الإنتخاب.
لكن يبقى ان الهدف الأساسي
والجامع للحركة هو الوصول
إلى لبنان حديث متطور
يستفيد من خبرة ابنائه
في الخارج يدعمهم ويدعمونه،
بحيث لا يضطر أحداً إلى
مغادرته ويجدون تحت سمائه
فضاءً يتسع لأحلامهم
وطموحاتهم مهما كانت
كبيرة.
ويعترف مفرِّج
ان الخطوة الأولى في مشوار
الألف ميل هذا هي إعادة
الإعمار المتوازن. ويشير
الى ان الحركة توظف شبكة
علاقاتها القويَّة جداً
في الولايات المتحدة
وثقة الإدارة الأميركيَّة
بها لهذا الهدف. فلدى الحركة
لجنة مختصَّة بهذا الموضوع
إسمها Lebanese Business Network، وهدفها الأساسي
هو التحفيز على إعادة
الإعمار، وتعرض على اللبنانيين
في الإغتراب مشاريع عمرانيَّة
وغيرها داخل الوطن، كما
تشجيعهم على الإستثمار
والمجيء إلى لبنان.
ويعتبر
مفرج ان التخطيط موجود،
كذلك التنظيم والإندفاع
لكن هم الحركة الأكبر
هو دائماً تأمين التمويل
اللازم، الَّذي كلما
كان كثيفاً كلما ساهم
أكثر في الوصول بسرعة
اكثر إلى الهدف المنشود
ولبنان أفضل. ويؤكد ان
الحركة مسجلة رسميَّاً
في الولايات المتحدة
الأميركيَّة على أنها
مؤسسة لا تبغي الربح،
فبالتالي من يتبرَّع
للحركة بمبلغٍ من المال
يعفى من الضرائب على المبلغ
الَّذي تبرَّع به وفقاً
للقوانين الضريبيَّة
الأميركيَّة.
ويلفت مفرِّج
النظر الى أن المتبرعين
ليسوا لبنانيين فقط بل
في بعض الأحيان هم عرب
عاطفتهم قويَّة تجاه
لبنان. ومن أهداف الحركة
في المدى المنظور جمع
مبلغ مليون دولار توزّع
كمساعدات داخل لبنان.
أما ضمن مشروع إعادة الإعمار،
فيرى القيمون على الحركة
أن الأولويَّة هي لإعادة
إعمار المرافق السياحيَّة
إذ إنها "منجم الذهب" اللبناني
كما يوصّفونها. وبعد حرب
صيف 2006 أضيفت إلى أولوياتهم
إعادة النازحين إلى بيوتهم
عبر إعادة إعمارها، إضافةً
إلى ذلك إعادة إعمار البنى
التحتيَّة الَّتي دمرَّت.
"الحركة الوطنيَّة اللبنانيَّة
- الأميركيَّة" هي منظَّمة
من أخريات فاعلات في الولايات
المتحدَّة، والولايات
المتحدة هي بلد إغترابي
من عدة بلاد إغترابيَّة
أخرى، فإذا جمعت جهود
كل المنظمات والأفراد
في كل بلاد الإغتراب تكون
تشكَّلت قوَّة لبنانيَّة
كبيرة من شأنها ان تقلب
موازين وأن تساعد فعليَّا
في إعادة إعمار الداخل
اللبناني.
إن التفكير
بإعادة إعمار الداخل
من الداخل فقط هو تفكيرٍ
ناقص ومجتزأ، إذ إن أغلبيَّة
من هم في الخارج ذهبوا
مرغمين، إما لأن بيوتهم
تهدمت أو أحلامهم تحطَّمت
أو طموحاتهم تحجَّمت،
وبعدم إدخالهم في عمليَّة
إعادة الإعمار نخسر من
جهتين: من جهةٍ أولى نخسر
الدعم المادي الكبير
الَّذي يمكنهم تقديمه،
وذلك لأن أغلبية من هاجروا
هم من حاملي الشهادات
او باتوا منهم ولديهم
وظائف ذات دخل مرتفع نسبيَّاً
خصوصاً بالمقارنة مع
المداخيل اللبنانيَّة،
فعلى سبيل المثال الحد
الأدنى للأجور في فرنسا
هو 1000 أورو، أي ما يوازي
1300 دولار أميركي مقارنةّ
بالحد الأدنى اللبناني
للأجور البالغ 200 دولار
أميركي، مع لفت النظرالى
أن معظم المغتربين اللبنانيين
يتقاضون أكثر من الحد
الأدنى نظراً الى كفاءاتهم
وشهاداتهم وبمقدورهم
المساعدة وتكون مساعدتهم
فعالة، وهنا نعود ونذكر
بحجم الدعم الّذي قدمه
هؤلاء المغتربون خلال
الحرب العالميَّة الأولى.
ومن جهَّةٍ ثانية، بعدم
إدخالهم في عمليَّة إعادة
الإعمار نضعف حسّهم الوطني
ونقضي على شعورهم بالإنتماء
إلى بلدهم الّذَي تركوه
مرغمين.
يجب أن يكون التضامن
الإغترابي ركيزة من ركائز
إعادة الإعمار، فنربح
البشر ونربح الحجر.
وما
دامت الهمَّة موجودة
والنخوة لبنانيَّة والأمل
مرض اللبنانيين الَّذي
لا دواء له، فليطمئن لبنان
على مستقبله ولنبدأ بتحقيق
حلم الغد الأفضل ولبنان
الأجمل.