التفاوت الاجتماعي والتفاوت الطبقي

عبد الغني اليعقوبي
الحوار المتمدن - العدد: 1473 - 2006 / 2 / 26
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية
راسلوا الكاتب-ة  مباشرة حول الموضوع      <!--[if !vml]--><!--[endif]-->

ليست كل تفاوت اجتماعي بتفاوت طبقي. فإن الفرق بين أجر عامل غير متخصص وأجر عامل ذي اختصاص عال لا يجعل منهما عضوي طبقتين اجتماعيتين مختلفتين.
إن التفاوت الاجتماعي تفاوت يمد جذوره في بنية الحياة الاقتصادية وسيرها الطبيعي، وتحافظ عليه المؤسسات الاجتماعية والقانونية الرئيسية في عصره، وتزيد من حدته.
فلنوضح هذا التعريف ببعض الأمثلة:
لكي يصبح المرء رب عمل كبير في بلجيكا، عليه جمع رساميل تقدر بنصف مليون فرنك [23] مقابل كل عامل يجري استئجاره. إن مصنعا صغيرا يستخدم 100 عامل يتطلب بالتالي جمع رأسمال لا يقل عن 100 مليون فرنك. والحال أن أجر العامل الصافي لا يتعدى أبدا تقريبا 200 ألف فرنك سنويا فحتى إذا عمل خمسين عاما دون أن يصرف فلسا واحدا للأكل والعيش، لا يستطيع العامل جمع ما يكفي من المال ليصبح رأسماليا. فالعمل المأجور، الذي هو أحد ميزات بنية الاقتصاد الرأسمالي، يشكل إذا أحد جذور انقسام المجتمع الرأسمالي إلى طبقتين مختلفتين بالأساس: الطبقة العاملة التي لا تستطيع أبدا أن تصبح بواسطة مداخيلها مالكة وسائل إنتاج، وطبقة مالكي وسائل الإنتاج أو الرأسماليين.
صحيح أنه يوجد إلى جانب الرأسماليين بحصر المعنى بعض التقنيين الذين يستطيعون أن يصلوا إلى مراكز إدارة المنشآت. غير أن التكوين التقني المطلوب هو تكوين جامعي. والحال أن 5 إلى 7% فقط من الطلاب الجامعيين في بلجيكا، في العقود الأخيرة، هم من أبناء العمال… والحالة هي نفسها في معظم البلدان الامبريالية.
إن المؤسسات الاجتماعية تقطع الطريق إلى الملكية الرأسمالية أمام العمال، سواء من جهة مداخيلهم أو من جهة نمط التعليم العالي. هذه المؤسسات تبقى انقسام المجتمع إلى طبقات كما هو قائم اليوم، وتحافظ عليه وتديمه.
حتى في الولايات المتحدة حيث يحلو لبعضهم أن يذكروا أمثالا عن «أبناء عمال مجتهدين أصبحوا من أصحاب المليارات بفضل دأبهم في العمل»، تبيّن نتيجة استقصاء أن 90% من مدراء المنشآت الهامة ذوو أصول برجوازية كبيرة ومتوسطة.
هكذا نجد عبر التاريخ تفاوتا اجتماعيا تبلور في تفاوت طبقي. ففي كل مجتمع من المجتمعات المذكورة، نجد طبقة من المنتجين تعيل بعملها المجتمع بأسره وطبقة مسيطرة تعيش من عمل الغير: فلاحون وكهنة أو أسياد أو كتبة في إمبراطوريات الشرق، عبيد وأسياد عبيد في العصور القديمة اليونانية والرومانية، أقنان وأسياد إقطاعيون في بداية العصر الوسيط، عمال ورأسماليون في العصر البرجوازي.

4- المساواة الاجتماعية في ما قبل التاريخ البشري

غير أن التاريخ لا يشكل سوى جزء بسيط من حياة البشرية على الكرة الأرضية. فقد سبقه ما قبل التاريخ، أي تلك المرحلة من وجود البشرية التي كانت خلالها الكتابة والحضارة مجهولتين. وقد بقيت بعض الشعوب البدائية في شروط العيش ما قبل التاريخية حتى زمن قريب، بل حتى أيامنا هذه. والحال أن البشرية جهلت التفاوت الطبقي طوال القسم الأعظم من وجودها ما قبل التاريخي.
وسوف يتضح لنا الفرق الأساسي بين جماعة بدائية ومجتمع طبقي من خلال استعراضنا لبعض مؤسسات تلك الجماعات.
فقد حدثنا العديد من علماء الأناسة (أنتربولوجيا) عن عادة نجدها عند شعوب بدائية كثيرة وهي عادة تنظيم احتفالات مسهبة بعد الحصاد. وقد وصفت لنا عالمة الأناسة مارغريت ميد هذه الاحتفالات عند شعب آرابيش البابو [24] في غينيا الجديدة، حيث جميع الذين حصدوا محصولا فوق المتوسط، يدعون عائلاتهم بكاملها وجميع جيرانهم إلى المشاركة في احتفالات تستمر حتى استهلاك القسم الأعظم من فائض ذلك المحصول. وتضيف مارغريت ميد:«إن هذه الاحتفالات تشكل إجراء ملائما لمنع الفرد من مراكمة ثروات..»
من جهة أخرى، درس عالم الأناسة آش نظام وتقاليد قبيلة قطنت جنوب الولايات المتحدة، هي قبيلة الـهوبي. في هذه القبيلة، وبخلاف مجتمعنا، يعتبر مبدأ المزاحمة الفردية مبدأ مدانا من وجهة النظر الأخلاقية. فعندما يلعب الأولاد الـهوبي ألعابا رياضية، لا يحسبون أبدا العلامات ويجهلون من «ربح».
إن المشاعات البدائية التي لم تنقسم بعد إلى طبقات، عندما تمارس الزراعة كنشاط اقتصادي رئيسي وتحتل أرضا معينة، لا تقوم باستثمار الأرض جماعيا. بل تحصل كل عائلة على حقل تستثمره لفترة. بيد أن الحقول يعاد توزيعها مرارا للحؤول دون تمتع أي عضو من أعضاء المشاعة بامتيازات على حساب الآخرين. أمّا المروج والغابات فإن استثمارها جماعي. إن نظام المشاعة القروية هذا، المبني على غياب الملكية الخاصة للأرض، قد وجد عند البحث في نشوء الزراعة لدى جميع شعوب العالم تقريبا. أنه يثبت أن المجتمع في تلك الفترة لم يكن منقسما إلى طبقات على صعيد القرية.
أمّا الأفكار الشائعة التي تردد دائما والقائلة أن التفاوت الاجتماعي يجد جذوره في تفاوت مواهب الأفراد أو كفاآتهم، وأن انقسام المجتمع إلى طبقات هو نتاج «أنانية الإنسان الغريزية» وبالتالي نتاج «الطبيعة الإنسانية»، فهي أفكار لا أساس علمي لها. إن اضطهاد طبقة اجتماعية لطبقة أخرى ليس نتاج «الطبيعة الإنسانية»، بل نتاج تطور تاريخي للمجتمع. إنه اضطهاد لم يكن موجودا دوما ولن يبقى إلى الأبد. فلم يكن ثمة أغنياء وفقراء دوما ولن يبقى أغنياء وفقراء إلى الأبد.

5- التمرد ضد التفاوت الاجتماعي عبر التاريخ

إن انقسام المجتمع إلى طبقات والملكية الخاصة للأرض ولوسائل الإنتاج ليسا إطلاقا، إذا، نتاج «الطبيعة الإنسانية». إنهما نتاج تطور للمجتمع وللمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. وسوف نرى لماذا نشآ وكيف سيزولان.
في الواقع، ما أن يظهر انقسام المجتمع إلى طبقات حتى يبدي الإنسان حنينه إلى الحياة المشاعية القديمة. ونجد تعبيرات هذا الحنين في حلم «العصر الذهبي» الذي يقال أنه ساد عند فجر وجود البشرية على الأرض والذي وصفه الأدباء الكلاسيكيون الصينيون، شأنهم في ذلك شأن الكتاب الإغريق واللاتينيين. ويقول فرجيليوس [25] بوضوح أن المحاصيل، في ذلك العصر الذهبي، كان يجري تقاسمها جماعيا، أي أن الملكية الخاصة لم تكن موجودة.
هذا وقد اعتبر العديد من الفلاسفة والعلماء الشهيرين أن انقسام المجتمع إلى طبقات يشكل مصدر القلق الاجتماعي، وقد وضعوا مشاريع لإزالة هذا الانقسام.
هو ذا الفيلسوف اليوناني أفلاطون [26] يحدد أصل المصائب التي تصيب المجتمع: «حتى أصغر مدينة منقسمة إلى قسمين، مدينة فقراء ومدينة أغنياء تتعارضان (وكأنهما) في حالة حرب».
كذلك، فإن الشيع اليهودية التي تكاثرت في عصر المسيح ومن ثم آباء الكنيسة المسيحية الأول الذين حافظوا على تراث تلك الشيع بين القرن الثالث والخامس الميلاديين، كانوا دعاة متحمسين لعودة إلى مشاعية الأملاك. فقد كتب القديس برنابا: «لن تتكلم أبدا عن ملكيتك، لأنك إذا كنت تنعم بثرواتك الروحية بالمشاع، فحري أن تنعم بثرواتك المادية بالمشاع». وقد ألقى القديس قبريانوس مرافعات عديدة دعا فيها إلى تقاسم الثروات المتساوي بين جميع الناس. وكان القديس يوحنا فم الذهب أول من صاح: «الملكية هي السرقة». والقديس أوغسطينوس، حتى هو، بدأ بإلقاء مسؤولية العنف والصراعات الاجتماعية على الملكية الخاصة، قبل أن يغير لاحقا وجهة نظره.
وقد استمر هذا التقليد طوال العصر الوسيط، لا سيما عند القديس فرنسيس الاسيزي وعند رواد الإصلاح [27]. هاكم ما قاله الرائد الإنكليزي جون بول في القرن الرابع عشر: «يجب إلغاء القنانة وجعل جميع البشر متساوين. إن الذين يسمون بالأسياد يستهلكون ما ننتجه نحن.. إن ترفهم ناتج عن كدحنا».
وفي العصر الحديث، أخيرا، نرى مشاريع مجتمع المساواة تصبح أدق وأدق، سيما في كتاب «الطوبى» للإنكليزي توماس مور، وكتاب «مدينة الشمس» للإيطالي توماس كامبانيللا، وكتابات الفرنسي فوراس داللي (القرن 17)، وفي «وصية جان ميلييه» و«قانون الطبيعة» للفرنسي موريللي (القرن 18).
وإلى جانب هذا التمرد الفكري ضد التفاوت الاجتماعي، كانت ثمة تمردات فعلية لا تحصى، أي انتفاضات من قبل الطبقات المضطهَدة ضد مضطهِديها. إن تاريخ جميع المجتمعات الطبقية هو تاريخ الصراعات الطبقية التي تمزقها.

6- الصراعات الطبقية عبر التاريخ

إن الصراعات بين الطبقة المستغِلة والطبقة المستغَلة أو بين مختلف الطبقات المستغِلة تتخذ أكثر الأشكال تنوعا حسب المجتمع المعني ومرحلة تطوره المحددة.
هكذا فقد حصلت تمردات عديدة في مجتمعات ما يسمى بـ «نمط الإنتاج الآسيوي» (إمبراطوريات الشرق الكلاسيكي). وقد تعاقبت انتفاضات فلاحية لا تحصى في تاريخ السلالات التي سادت بالتتالي في الإمبراطوريات الصينية. وشهدت اليابان أيضا عددا كبيرا من الانتفاضات الفلاحية ، خاصة في القرن الثامن عشر.
وقد عرفت العصور القديمة اليونانية والرومانية سلسلة غير منقطعة من تمردات العبيد -كان أشهرها بقيادة سبارتكوس- التي ساهمت إلى حد بعيد في سقوط الإمبراطورية الرومانية. ونشب بين «الأحرار» صراع عنيف بين طبقة من الفلاحين المستدينين وتجار- مرابين، بين غير مالكين ومالكين.
وفي العصر الوسيط، في ظل النظام الإقطاعي، جرت صراعات طبقية بين الأسياد الإقطاعيين وبلدات حرة قائمة على الإنتاج البضاعي الصغير، وبين الحرفيين والتجار داخل هذه البلدات، وبين بعض الحرفيين المدينيين والفلاحين المجاورين للمدن. وجرت بالأخص صراعات طبقية عنيفة بين النبلاء الإقطاعيين والفلاحين الذين حاولوا التخلص من النير الإقطاعي، واتخذت هذه الصراعات أشكالا ثورية تماما في عاميات فرنسا وحروب الفلاحين في إنكلترا وبوهيميا وألمانيا في القرن السادس عشر.
وعرفت الأزمنة الحديثة صراعات طبقية بين النبلاء والبرجوازية، وبين المعلمين الحرفيين والصناع، وبين رجال المصارف والتجار الأغنياء من جهة و«السواعد .العارية» في المدن من الجهة الأخرى، الخ.. هذه الصراعات هي مقدمة الثورات البرجوازية والرأسمالية الحديثة ونضال البروليتاريا الطبقي ضد البرجوازية
* * * * * * *
المراجع
ك. ماركس وف. إنجلس البيان الشيوعي.
ف. إنجلس، دحض دوهرنغ (الجزءان الثاني والثالث).
ماكس بير، تاريخ الاشتراكية.
ك. كاوتسكي، مصادر الاشتراكية، توماس مور.
مورتون، الطوبى الإنكليزية.

 

http://omar.socialindex.net/intro.html

 

http://mousou3a.educdz.com/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B3%D8%B7%D9%89/

 

http://www.dirasat.net/ar/newsdetails.php?id=9=

 

 

دراسة –الفقر في لبنان

مارك راشد- هيثم العبد الله <!--[if !vml]--><!--[endif]-->

يعتبر الفقر مشكلة متعددة الأبعاد ،وهي تختلف بين دولة وأخرى حسب النمو الاقتصادي و تحقيق العدالة في توزيع الدخل و تنمية الموارد البشرية.

  ويعرّف برنامج الأمم المتحدة الانمائي الفقر بأنه ظاهرة معقدة و متعددة الحجم،و تنتج عن خلل في مجالات الٳنساني كالدولة والٳقتصاد و المجتمع و الثقافة  و البيئة...فالفقراء يعانون من سوء تغذية و عدم الحصول على مسكن مناسب، ولا يتمتعون بالصحة والتربية في ظل غياب الخدمات الإجتماعية.

الفقر إذاً لا يعني فقط المداخيل المتدنية،بل يعني أيضاً التهميش و الٳبعاد الاجتماعي و عدم المشاركة في القرار الذي يؤثر على حياة الناس. فتأمين حياة مستمرة للذين يعيشون في حال الفقر يتطلب معالجة كل القوة المتشابكة التي تضع الفقراء في حال الحرمان، وهي تتطلب بالتالي ٳشتراكهم في صنع القرار والمعرفة و التدريب والاسواق والموارد المنتجة.

  اذ ًالفقر هو حال من الحرمان من واحدة أو أكثر من الٳحتياجات الٳنسانية الأساسية:الغذاء،مياهالشرب المأمونة،تجهيزات الصرف الاصحي ، العناية الصحية ،المسكن المناسب ،التربية،الٳعلام...وخط الفقر هو التعبير النقدي لمجموع السلع والخدمات التي تشكل حاجات الٳنسان وحقوقه الاساسية ،ويعتمد هذا الخط معياراً للتعرف ٳلى الأفراد الفقراء الذين يقل دخلهم عن المستوى النقدي لهذا الخط...

  وفق هذا التعريف المتفق عليه اجمالاً ،يمكن الدخول في تفاصيل ظاهرة الفقر في لبنان بٳعتبارها حالة ٳجتماعية وسمة من سمات المشاهدات اليوميةالعينيّة...

  فلا أحد يستطيع أن يغمض عينيه وينكر ما يشاهده من مواطنين يقتاتون من مستوعبات النفايات واّخرين يموتون على أبواب المستشفيات ،كما لا يستطيع أحد أن يغمض عينيه عن أسر تعيش في المقابر أو تحت الجسور وفي أكواخ من التنك ،أو في منازل مزدحمة بساكنيها...

  هذه بعض المشاهدات التي تبرز ظاهرة الفقر بالمعاينة ...التي تعود جذورها ٳلى مراحل تسبق الحرب اللبنانية، وتكمن في طبيعة النظام السياسي – الاقتصادي الذي سمح بوجود تفاوت طبقي شاسع عبّرت عنه بعثة ايرفد في العالم ‏۱۹٦٠ التي وجدت أن ٥٠٪ من اللبنانيين فقراء فيما يستأثر ٤٪ فقط بأكثر من ثلث اجمالي الدخل الوطني.

  لقد أدت سنوات الحرب ٳلى تفاقم هذه الظاهرة ،بسبب ما أصاب لبنان من دمار مادي ومعنوي قدرت أكلافه  المباشرة من ٤٠ مليار دولار ، فضلاً عن الأكلاف غير المباشرة والأكثر تأثيراً في البنية الٳجتماعية و المتمثلة بتهجير ثلث السكان و مقتل و اصابة وٳعاقة عشرات الآلاف وهجرة عدد مماثل...

  ومع ٳنتهاء الحرب عام ۱۹۹٠ وصل التفاوت الٳجتماعي  ٳلى حدود شاسعة بدليل ان معظم المحاولات القائمة  لدراسة وتقدير ظاهرة الفقر ترسم خطاً بيانياً تصاعدياً للفقر . وأبرز ما يمكن الٳشارة  ٳليه في هذا المجال:

    ۱ – النتائج التي توصلت ٳليها بعثة "بانتل" (أعدت الصيغة الأولى لخطة اعادة اعمار لبنان) وتفبد بأن ما بين ٦٨ ٳلى ٨٠٪ من اللبنانيين فقراء، فيما الاغنياء تتراوح نسبتهم ما بين  ٥ و ٧٪ ومتوسطو الحال ما بين ١٥ و ٢٥٪ ،ولم تشمل هذه المعطيات انعكاسات التضخم الكبير على معيشة الناس الذي حصل في العام ١۹۹٢ وبلغ متوسطه أكثر من ١٢٥٪ و أدى إلى ٳنهيار المداخيل بنسبة تصل إلى ٧٠٪ .

     ٢ ـ دراسة اللجنة الٳقتصادية و الٳجتماعية لغرب آسيا ( اسكوا ) التي تظهر أن عدد الفقراء في لبنان يببلغ حوالي المليون فقير (بداية العام ١۹۹٧) ،أي ما يشكل ٢٨٪ من مجموع السكان ،منهم ٢٥٪ من الفقراء المعدمين (دخل الأسرة المكونة من خمسة افراد يقل عن ٣٠٦ دولارات شهرياً وهو الدخل المقدر لتكاليف الغذاء فقط) ، في حين أن ٧٥٪ منهم يعيشون ضمن خط الفقر المطلق (دخل الأسرة من خمسة أفراد يقل عن ٦٨١ دولاراً شهرياً).

  في الأرياف هناك نسبة ٧٥٪ من الأسر التي تعتمد على الزراعة كمورد رزٌق اساسي لها ، وهي تعتبر من الفقراء(٤٠٪ منها تعيش بدخل شهري اقل من ٣٠٦ دولارات ).نسبة ١٨٪ من الفقراء في لبنان (١٨٠ ألف ٳنسان ) يسكنون في المناطق الريفية وهم يشكلون ٤ / ١ سكان الأرياف...

  أما في المدن الرئيسية (بيروت، طرابلس،صيدا،صور،زحلة و ضواحيها ) فتعيش نسبة ٧٥٪ من الفقراء في لبنان (٧٥٠ ألف نسمة ) منهم ١٠٠ ألف من الذين يصنفون فقراء معدمين. و جميع الفقراء في المدن الرئيسة و ضواحيها ينتمون ٳلى أسر تعتمد في عيشها على معيلها الذي يعمل في الإدارات الحكومية (٣١٪) أو في الصناعة (٢٦٪). ومن أصل الفقراء العاملين في الادارات الحكومية يعتبر ٥٪ تحت خط الفقر  كذلك تعتبر ضمن هذا الخط نسبة ٣٪ من الاسر العاملة في الصناعة ... بمعنى آخر ، أن ٥٪ و ٣٪ من هذه الأسر يقل الدخل المخصص للفرد فيها عن ٦٠ دولار اً شهرياً . وهذا الحد الأدنى اللازم لتأمين الغذاء المحدد...

   ٣ـ استطلاعات مختلفة للرأي و دراسات تتفق على أن كلفة الأسرة الوسيطة المؤلفة من خمسة  أشخاص لا تقل عن ٨٠٠ دولار شهرياً لتأمين مستلزماتها الضرورية بينها ٤٠٠ دولار لحاجات الغذاء فقط.

    وتفيد ٳحدى الدراسات بأن ٧٫٦٦٪ من الأسر يقل دخلها عن ٢٠٠ دولار وأن ١٩٫١١٪ يتراوح بين ٢٠٠ و ٥٠٠ دولار ٢٤٫٨٩٪ ما بين ٥٠٠ و ١٠٠٠ دولار ،أي أن ٥١٫٦٦٪ تنتمي ٳلى فئة الدخل المنخفض وفق المقاييس السابقة بينها ٧٫٦٦٪ تعيش حال الفقر المدقع...

   ٳن لعبة الأرقام و المؤشرات لا تنتهي ، وهناك الكثير حيث لا يتسع المجال لعرضها كلها ،لكن الثابت في هذا المجال أمور عدة:

      أولاً ، العلاقة بين النمو الٳقتصادي من جهة و تحسن مستوى المعيشة و تقلص نسبة الفقر من جهة أخرى .غير أن النمو ،وأن كان ضرورياً ،فهو وحده ليس شرطاً كافياً لتقليص الفقر ،ويظهر ذلك بوضوح في الفترة ١٩٧١ـ١٩٧٤ ، والفترة ١٩٩٢ـ١٩٩٥ اللتين تميزتا بمعدلات نمو مرتفعة.ولكن لم يرافق ٳرتفاع معدلات النمو ٳنحسار لرقعة الفقر، الأمر الذي يدعو ٳلى دراسة التوزيع المتفاوت لعائد النمو في ما بين المناطق و القطاعات.

     ثانياً ، العلاقة الوثيقة بين الفقر و البطالة ،حيث يرافق توسع الفقر التغيير في سوق العمل ،مثل ٳزدياد الأعمال الهامشية ،و تغلب البطالة المقنعة على البطالة السافرة ،ويغلب تبديل الوظائف على العمل المستقر و التطور المهني.

    ويمكن النظر ٳلى الفقر كمولد للبطالة وليس فقط كنتيجة،فغياب الأصول الاإنتاجية لدى الفقراء يحول غالبا" دون تمكنهم من أطلاق المشاريع الصغيرة والمتوسطة المولدة للدخل، وهي اليوم المجال الوحيد القادر على خلق فرص عمل جديدة بعد حالة التشبع التي تعيشها القطاعات التقليدية... <!--[if !vml]--><!--[endif]-->

       ثالثاً ، حرب لبنان كأحد أهم الأسباب المولدة للفقر في السنوات الأخيرة. فقد أدت أعمال العنف وما رافقها من اعمال أخرى ٳلى ما يلي :تراجع الناتج المحلي الٳجمالي مما كان يجب ان يكون عليه لولا الحرب،خسائر بشرية و مادية في البنى التحتية ووسائل الٳنتاج ،دمار مئات الوحدات الٳنتاجية و تدني الٳنتاجية و التخلف عن مواكبة التطورات الٳدارية والتكنولوجية وتعطل الوظائف الٳقليمية للٳقتصاد اللبناني, ٳرتفاع معدلات التضخم، تجزئة السوق الداخلية و صعوبة التصدير و تشتت سوق العمل و هجرة الكفاءات و تبديد أموال الدولة  وتقليص دورها الرقابي ،تدمير الوحدات السكنية و المؤسسات الٳنتاجية, فقدان فرص العمل و السكن،و تدهور المستوى التعليمي والعناية الصحية...

    لذلك،يمكن اعتبار نسبة الفقراء بين المهجرين نسبة عالية تزيد عن ٧٥٪ من الفقراء دون خط الفقر المطلق،منهم ٥٠٪ تحت الفقر المدقع، وفقاً للتقديرات المتوافرة...

    ٳن لبنان يعاني من جميع المؤثرات الٳجتماعية ،ومن الطبيعي أن يكون الدولة الأكثر فقراً في المنطقة وفق هذه المعطيات والوقائع...

http://tharwacommunity.typepad.com/whereto_lebanon/2007/10/post-10.html

 

– تطلعا الى النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة لمصلحة جميع اللبنانيين، ولا سيما منهم الفئات الاكثر عوزا، وفي ظل التحديات الراهنة، تنطلق سياسة الحكومة من تقويم واقعي للامكانات والفرص. فقد اجتاز الاقتصاد مرحلة صعبة، اظهر خلالها مناعة واستقطب رساميل وافرة فاستطاع تحقيق معدلات عالية للنمو تجاوزت نسبة الـ8 في المئة عام 2008، ومن المتوقع ان تتعدى نسبة 7 في المئة عام 2009، وهو ما اسهم في خفض نسبة الدين العام الى الناتج المحلي وخفض معدلات الفوائد.

26 – امام الفرصة المتاحة، يترتب على الحكومة السعي الى افادة اللبنانيين جميعا من منافع النمو الاقتصادي بحيث يطول في شكل متكافىء، فئات المجتمع كافة وكل المناطق اللبنانية. ويعني ذلك، قبل كل شيء، مكافحة الفقر وتقليص التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين اللبنانيين، مع الحرص على اعادة تكوين الطبقة الوسطى التي تشكل دعامة اساسية من دعائم الاستقرار في لبنان.

27 – يفترض السعي الى تطوير الاقتصاد، الافادة من خصوصية بلدنا وتطوير ميزاتنا التفاضلية. كما يقتضي، بوجه اخص، تعزيز الشراكة الخلاقة بين القطاعين العام والخاص، فهي ضرورة للنهوض الاقتصادي ولتحقيق نسب مرتفعة من النمو والتنمية المستدامين، اخذا في الاعتبار محدودية الموارد المتاحة للخزينة. ومن شأن كل ذلك ان يتيح لنا الارتقاء الى مستويات تحرر المواطن من العوائق التي تحد من طاقته وتقيد قدراته على الانتاج والابداع.

28 – على هذا الاساس، تعتمد السياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي ستنتهجها الحكومة التوجهات الآتية:

اولا – السعي الى استكمال تطوير البنية التحتية المادية والمؤسساتية والتشريعية الملائمة لمصلحة اللبنانيين جميعا والقطاعات الانتاجية كافة مما يؤدي الى تحفيز النمو ليحقق مستويات عالية ومستدامة، ويسهم في مكافحة البطالة الحقيقية والمقنعة، خصوصا لدى الشباب، ووقف هجرة الادمغة التي تستنزف الموارد البشرية في لبنان، والسعي ايضا الى ارساء نمط من النمو كفيل بتوفير فرص عمل جديدة في المدن والارياف وتقليص العجز في مبادلات لبنان الخارجية وتعزيز توازن الفرص الاقتصادية بين المناطق من خلال تكاملها وترابطها والتشدد في الحرص على الموارد النادرة، من بشرية وطبيعية وثقافية.

ثانيا – السعي الى الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي والاستمرار بتخفيف عبء خدمة الدين العام على الاقتصاد الوطني وخفض نسبته الى الناتج المحلي، وذلك بهدف تحرير موارد مالية اضافية تمكن الحكومة من تعزيز مستوى الخدمات العامة وفاعليتها، والسعي الى اطلاق برامج استثمارية يتطلبها النمو ويحتاج اليها اللبنانيون، وذلك بالاعتماد على مختلف مصادر التمويل الملائمة، بدءا بالمتاح منها.

ثالثا – السير في تطبيق سياسة الاصلاح الاقتصادي التي تقدم بها لبنان الى مؤتمر باريس III وتطويرها، بهدف تحديث بنية الاقتصاد الوطني والحفاظ على استقراره وتعزيز فرص نموه، فضلا عن المساعدة في تحرير بقية الهبات والقروض التي تعهدتها الدول والمؤسسات المانحة للبنان، وتنفيذ عدد من مشاريع البنى التحتية، واجراء عمليات الخصخصة، وفق القوانين المرعية والسياسات القطاعية التي تضعها الحكومة، وتشجيع اللبنانيين على المساهمة فيها.

رابعا – العمل على رسم سياسة اجتماعية تسهم في تأمين الحاجات الاساسية للمواطنين وتحسين فاعلية الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة وجودتها، لكي تطول، على نحو افضل، العدد الاكبر من الفئات الاجتماعية الاكثر عوزاً.

29 - على هذا الاساس تلتزم الحكومة العمل على تحقيق الاهداف الآتية:

1 – تحفيز النمو والتنمية المناطقية، وايلاء الارياف اهتماما خاصا، وبالتالي التشجيع على توفير فرص عمل جديدة من خلال تطوير كل القطاعات الانتاجية، التقليدية منها او الجديدة والواعدة، ومنها الصناعات لخفيفة غير الملوثة والصناعات الابداعية، كالحرفية والفنية والثقافية والاعلامية، وانشاء مناطق صناعية.

2 – تحديث المناخ الاستثماري العام عبر تعديل القوانين وتبسيط الاجراءات الادارية، كتلك التي تتعلق بتأسيس الشركات وحلها، والسير في تعزيز المنافسة ومنع الاحتكار وتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية.

3 – وضع برنامج للاستثمار والانفاق العام على المدى المتوسط، بوصفه اطارا ناظما للسياسات القطاعية التي ستنتهجها الحكومة، بدءا من اعمال الصيانة واستكمال الانشاءات والتجهيزات اللازمة لتوفير الخدمات العامة، على ان يتلازم هذا البرنامج مع السياسات الاقتصادية العامة على نحو يعزز الاستقرار النقدي والمالي.

4 – وضع سياسة انمائية تهدف الى تحقيق الانماء المتوازن في كل المناطق اللبنانية، استنادا الى المخطط التوجيهي لترتيب الاراضي الذي اقرته الحكومة السابقة واعتمادا على التعاون الخلاق بين القطاعين العام والخاص، وفي سياق متصل، السير بتنفيذ مشروعي اليسار ولينور الانمائيين.

5 – التزام الاتفاقات التي وقعها لبنان في المجالين الاقتصادي والتجاري مع الدول والمنظمات الدولية والاقليمية، والسعي الى توفير الاطر الكفيلة بإقدار القطاعات الانتاجية على مواكبة انفتاح الاسواق العالمية، مما يساعد على انخراط فيها اوسع واجدى، واستكمال عملية انضمام لبنان الى منظمة التجارة العالمية، والسير دون ابطاء في تنفيذ مقتضيات سياسة دول الجوار الاوروبية، والمشاركة في مبادرة الاتحاد من اجل المتوسط، وتفعيل التعاون مع مؤسسات التمويل العربية والدولية.

6 – تحرير قطاع الاتصالات، بحسب القوانين، من اجل ضمان فاعلية اكبر لمردوده على القطاعات الانتاجية، وعلى اساس التلازم بين العمل على تطويره، وتحديث الاقتصاد.

7 – العمل على تنمية مجتمع المعرفة واقتصادها، ولاسيما من خلال توفير خدمات الحزمة العريضة (broadband) في جميع المناطق اللبنانية.

8 – وضع برنامج تنفيذي لاصلاح قطاع الكهرباء، بما يؤدي الى توفير الطاقة بصورة مستدامة للمواطنين جميعا وللقطاعات الانتاجية، وبما يساهم في خفض العبء المالي المفروض على الخزينة العامة نتيجة لسياسة الدعم المستمر للكهرباء في لبنان.

9 – تفعيل العلاقة بين القطاعين العام والخاص والنظر في صلاحيات المجلس الاقتصادي الاجتماعي وتفعيل دوره في الحياة العامة، وكذلك انشاء مرصد للتنافسية مهمته تقويم قدرة كل من القطاعات الانتاجية اللبنانية على المنافسة.

10 – تطوير القطاع الزراعي وتحفيزه وفتح مجالات اوسع في الخارج للمنتجات الزراعية اللبنانية والعمل على اقرار قانون سلامة الغذاء الذي يضمن جودة الانتاج الوطني وسلامته.

11 – تطوير القطاع الصناعي وتحفيزه وزيادة الصادرات المحلية، بتفعيل انتاجية القطاع وتحسين جودة المنتجات الصناعية وتشجيع الصناعات الجديدة ذات القيمة المضافة التي يستطيع لبنان المنافسة بها على نطاق اقليمي وعالمي.

12 – افساح المجال لتطوير الصناعة السياحية في البلاد وازالة العوائق من امام نموها وتشجيع المزيد من الاستثمارات السياحية في المناطق اللبنانية كافة.

13 – تحديث النظام الضريبي، ولا سيما ضريبة الدخل، وتسهيل عمل الادارة من جهة، واستكمال قاعدة المكلفين وتفعيل الجباية، من جهة اخرى، تعزيزا للواردات العامة وخدمة للعدالة الضريبية.

14 – تحرير الادارة العامة من التشابك في ادائها مهماتها، واحياء الاطر الناظمة للمؤسسات العامة والنظر في تشركة التجاري منها وفقا للقوانين، واعادة تنسيب الايرادات والنفقات وفق طبيعتها الاقتصادية، واعتماد الخصخصة وسيلة من الوسائل المتوافرة لتنفيذ السياسات القطاعية.

15 – تتعهد الحكومة التقدم من مجلس النواب بمشروع موازنة لسنة 2010 يجسد التوجهات الواردة في هذا البيان، في مهلة اقصاها نهاية كانون الثاني 2010، يجري اقرارها بعد اقرار مشاريع قوانين الموازنة للاعوام السابقة.

لان اولويات المواطنين ستكون اولوياتها، تعلن الحكومة انها تتصدى بكل حزم ومسؤولية لمعالجة مجموعة من القضايا الاساسية التي شكلت، على مدى السنوات الماضية، سببا لاهتزاز ثقة المواطنين بالدولة ومؤسساتها. ولقد آن الاوان لايجاد الحلول الناجعة لها، وعدم اغراقها بأي شكل من اشكال التجاذب السياسي، وتعويض ما فات اللبنانيين من خطط تنموية. ومن اهم هذه القضايا:

1 – تأكيد هيبة الدولة واحترام القانون

- دعم القوى الامنية الشرعية بالعديد والتجهيز.

- التشدد في مكافحة انواع الجرائم كافة.

- اصلاح القضاء وتعجيل بت الدعاوى.

- التشدد في قمع مخالفات السير للحد من حوادث المرور.

2 – تحديث الادارة ومكافحة الفساد

- الاسراع في عملية المكننة وتطبيق مشروع الحكومة الالكترونية.

- تعزيز دور الهيئات الرقابية وتطويرها وتعجيل اقرار القوانين المنجزة.

- تعيين الموظفين في المواقع القيادية، في الادارات والمؤسسات العامة، وفقا لمعايير الجدارة والكفاءة واحترام المناصفة، وزيادة نسبة النساء بينهم.

- التزام لبنان تطبيق مبادئ اتفاق الامم المتحدة لمكافحة الفساد.

3 – تأمين الحق في الكهرباء

- زيادة القدرة الانتاجية بما لا يقل عن 600 ميغاواط في شكل سريع وطارئ (في فترة لا تتعدى نهاية 2010).

- التشدد في الجباية، وضبط كل انواع الاهدار، وتركيب عدادات تحكم عن بعد.

- ترشيد استهلاك الطاقة وتحفيز استخدام سخانات الطاقة الشمسية والانارة الموفرة للطاقة.

- اكمال بناء شبكة التوتر العالي.

4 – معالجة مشكلات السير

- تحديث قطاع النقل المشترك وتنظيمه وتقوية الثقة به، وحض المواطنين على استخدامه.

- اطلاق مركز التحكم المروري وتعميم اشارات السير ولاسيما الضوئي منها.

5 – حماية البيئة

- تأليف لجنة وطنية لمتابعة مسائل التغير المناخي والتصحر.

- ايجاد مساحات حضراء في المدن والبلدات واعادة تشجير مليوني شجرة سنويا في كل المناطق والوقاية من حرائق الغابات.

- ايجاد حلول سريعة للمكبات العشوائية المنتشرة على الاراضي اللبنانية والسير في اعتماد بدائل لمعالجة مشكلة النفايات الصلبة، بدءا من الفرز ووصولا الى المحارق.

- استكمال شبكات نقل المياه المبتذلة وتنفيذ محطات التكرير.

- اطلاق خطة عملية بما فيها محفزات لاستبدال سيارات الاجرة بأخرى موفرة للوقود.

- وضع آلية لتحفيز استخدام التكنولوجيا النظيفة والطاقة المتجددة.

6 – حفظ المياه

- تحسين توزيع المياه واستكمال تمديد الشبكات.

- التركيز على المياه السطحية عبر الاسراع في تنفيذ السدود والبحيرات.

- وقف تلوث المياه الجوفية والاسراع في بناء خطوط ومحطات الصرف الصحي.

- استكمال تنفيذ مشروع الليطاني وتنظيف بحيرة القرعون.

7 – الحد من الفقر ومعالجة تشرد الاطفال

- معالجة مشكلة الاطفال المشردين في الشوارع ووضع حد نهائي لهذه الظاهرة.

- العمل على تطبيق اتفاق حقوق الطفل.

- خفض نسبة الفقر المدقع الى 50 في المئة بحلول سنة 2015.

8 – اصلاح الضمان الاجتماعي

- تحديث الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ومكننته ورفده بالموارد البشرية المؤهلة وتبسيط الاجراءات الادارية ومسالك العمل.

- العمل على معالجة مشكلة الضمان الاختياري.

- العمل على اقرار مشروع قانون للتقاعد والحماية الاجتماعية للحلول محل نظام نهاية الخدمة الحالي.

S

 

 

تحاليل اقتصادية: 1.5 مليون لبناني يعيشون في دائرة الفقر··· والآتي أعظم!



هل من المعقول ان يدخل لبنان الألفية الثالثة من دون كهرباء ومياه وخدمات صحية واجتماعية ولو في حدها الأدنى ومع قطاع اتصالات يحتاج الكثير من التحديث والتغيير ووجود بؤر بؤس وحرمان وفقر تسيطر على مناطق عديدة في ارجاء الوطن؟·

المؤشرات مؤلمة والأرقام مخيفة والحقائق مرّة، فالبلاد تعيش في ظل صراعات سياسية وأزمات معيشية تزداد حدتها وهي لا تلقى الاهتمام الكافي في ظل انشغال الجميع بالهم السياسي· 8% يعيشون تحت

خط الفقر المدقع في ظل هذا التأزم المعيشي وارتفاع الأسعار، تُشير الدراسات في إدارة الاحصاء المركزي ووزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالبنك الدولي إلى أن 8% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وهذا يعني ان اكثر من 300 الف اسرة لبنانية غير قادرة على تحصيل الحاجات الأساسية للعيش وتقدر حصة الفرد منها بأقل من 2.4 دولار يومياً·

وتفيد دراسة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) أن عدد الفقراء في لبنان يبلغ حوالى مليون ونصف المليون، أي ما يُشكّل 40% من مجموع السكان منهم 25% من الفقراء المعدمين·

وتفيد الدراسة أن 7.66% من الأسر يقل دخلها عن 250 دولاراً وان 29.11% تتقاضى ما بين 300 و500 دولار، و14.89% من السكان تتراوح مداخيلهم بين 500 و1000 دولار·

مناطق حرمان تمكنت بيروت من حصولها على لقب عاصمة الكتاب فهل يكفي أن تكون عاصمة للثقافة وتغيب عنها كل ملامح العيش الكريم؟·

فالحرمان غطى بظلاله جزءاً واسعاً من المناطق اللبنانية، ابتداء من البقاع وجوارها، وصولاً إلى عكار - الضنية - المنية، وحتى عاصمة الجنوب صيدا لم تخلو من الحرمان والبؤس·

فالحرمان الذي يخيّم على مدينة الشمس وقراها يطال نواحي عديدة في الحياة، فلا طرق صالحة لسير السيّارات، ولا مياه شفة متوفرة، وإن وجدت فهي ملوثة بمعظمها، وتفتقد الى الرقابة الصحية، وحدث ولا حرج عن غياب شبكات الصرف الصحي والتقنين الكهربائي بالإضافة إلى انعدام فرص العمل·

فالفقر بات سيد الموقف في تلك المنطقة التاريخية، حيث يعيش أكثر من نصف السكان تحت وطأة الفقر الكلي، ويقدّر عدد الأسر الفقيرة بـ300000 اسرة بقاعية تعجز عن تأمين أبسط أمور الحياة بحيث يتوسط الدخل الفردي في هذه المناطق (تعلبايا - حربتا - الكنيسة - حورتعلا - برتيال) 2.5 دولار للفرد أي ما يعادل 70 دولاراً شهرياً·

تلك المناطق يصعب وصفها لشدة الحرمان والتخلف التي تتسم بها، فالاهالي يعانون واقعاً اقتصادياً واجتماعياً مريراً، مما يدفع بأولادهم للنزول إلى سوق العمل وترك مقاعد الدراسة ما يساهم في نمو الجهل والتخلف·

اما منطقة الشمال، حيث تغيب كل ملامح الحياة العصرية، فتعاني الأمرين بسبب الإنماء غير المتوازن·

ففي مناطق عكار - المنية - الضنية، ترتفع نسبة التسرب من المدارس ومعها ترتفع نسبة عمالة الأطفال، فهذه المناطق تقع ضحية عدم المساواة في توزيع الثروات الوطنية·

ففي عكار، ترتفع نسب الأسر المحرومة من 43% إلى 52%، وأشارت دراسة صدرت أخيراً من وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وكالة التنمية الدولية UNDP حيث تناولت فيها التفاوت في القدرة الشرائية للمواطنين في المناطق اللبنانية، ووفقاً للتقرير احتل الشمال المرتبة الأخيرة·

وأشار التقرير إلى أن 57% من سكان طرابلس هم دون خط الفقر·

ويعمل أهالي الشمال في قطاع الزراعة والأعمال الحرفية التي لا تكفي لتأمين لقمة العيش، فيضطر الأولاد للنزول إلى ميدان العمل باكراً، لاعانة اهاليهم ولا تتعدّى <جمعية> الأولاد الـ20 ألف ليرة لبنانية·

غياب ملحوظ لطالما عجزت الحكومات المتعاقبة عن إيجاد حلول لمشكلة الفقر فبقيت خطواتها ضعيفة تارة وخجولة طوراً، وعجزت عن توفير شبكة أمان اجتماعية فاعلة وبقيت تقديماتها الاجتماعية من صحة وتعليم وضمان محدودة وكانت نتيجة هذا الواقع معدلات فقر عالية تفاقمت على نحو أكبر خلال الفترة الأخيرة·

فتلك هي النتيجة الطبيعية في ظل أوضاع سياسية وأمنية سيئة أدّت إلى تراجع نشاط المؤسسات الاقتصادية والصناعية، إضافة إلى انعدام التقديمات الاجتماعية وتراجع القدرات الشرائية للأسر بسبب ارتفاع الأسعار اللامحدود وتنامي وتيرة البطالة· فجاءت زيادة المداخيل حلاً لمشكلة شبح الفقر الذي اخترق بيوت المواطنين من دون استئذان، فأصبح الحد الأدنى للمداخيل 500000 ليرة، ولكن هل زيادة المداخيل هي الحل الذي يمكن أن ينقذ مناطق البؤس؟·

وفي المقابل، زادت المداخيل بنسبة 85% فارتفعت أسعار المحروقات والمواد الغذائية والفاتورة الاستشفائية بنسبة 100

إزاء هذا الواقع، دعا برنامج الامم المتحدة الانمائي في تقرير له إلى وضع استراتيجية تنمية اجتماعية شاملة ومتكاملة وخطة عمل قابلة للتنفيذ بغية الحد من الفقر بشكل دوري ومنتظم، وذلك بالاستناد إلى مؤشرات لقياس الفقر بشكل دوري ومنتظم، وذلك بالاستناد إلى مؤشرات الفقر النقدي·

بالإضافة إلى تغير استراتيجية النمو المدعم بالتدفقات النقدية من الخارج ولربما ساعدت هذه الاستراتيجية على تحسين الوضع الاقتصادي في بعض السنوات، لكنها عمّقت بالمقابل مشكلة الفقر، إذ جعل تيّار التدفقات يمر بعيداً جداً عن متناول الفقراء، فان سياسة لجم مشكلة الفقر لا تكون في اعتراض سبيلها من الخارج بل القفز إلى قمّة القيادة وتغيّر الاتجاه·

اجور أدنى من الأدنى كيف يعيش المواطن اللبناني بحد أدنى 500000 ليرة في ظل عدم وجود طبابة مجانية وارتفاع أسعار الأدوية وانعدام الخدمات الاجتماعية؟ ربما تختلف الإجابات عن هذا السؤال بالشكل، لكنها على الاغلب تتشابه بالمضمون·

هنا علّق فاروق الجمالي - موظف في القطاع العام يتقاضى راتباً قدره 800000 ليرة - قائلاً أن معاشه يطير قبل منتصف الشهر ويبدأ الدين، فهو رب اسرة، لديه ولدان في المدارس، لا يقوى على سداد الاقساط الدراسية ودفع فواتير الكهرباء والماء والضرائب، ويؤكد انه في نصف الشهر يبدأ بالدين حتى يستطيع اكمال الشهر·

أما آمنة شرقاوي، وهي ربة منزل، يتقاضى ابنها 450 دولاراً جرّاء عمله في شركة خاصة، تؤكد انها تعاني من عدّة أمراض وهي في بعض الأحيان لا تستطيع شراء الأدوية اللازمة لها، لان راتب ابنها لا يؤمّن كل حاجيات المنزل ومتطلبات الحياة·

وأشارت ربى خليل (موظفة في إحدى المحال التجارية) إلى انها تعمل بدوام طويل من الساعة العاشرة صباحاً وحتى العاشرة مساء، وتتقاضى 300 دولار، ولا وجود لضمان أو تأمين، وهي تدفع بدل نقليات بحدود 70 دولاراً، وتسدد فاتورة هاتفها الخليوي بـ30 دولاراً فيبقى من راتبها 200 دولار تساعد بها والدها المقعد وأمها واخواتها·

وقصص أخرى تعيش داخل وطن صغير، يسعى إلى اللحاق بالعالم الغربي وتقديم كافة وسائل التكنولوجيا والعولمة واعتماد نظام اقتصادي حر غاب عنه كبح شبح الفقر، بل على العكس، ساعدت السياسات اللامدروسة إلى زيادة شرائح الفقر، وبدأت كرة الثلج تكبر يوماً بعد يوم·

ففي بلد تغيب عنه السياسة الحمائية وتنعدم الخدمات الاجتماعية بدءاً من الزامية التعليم ومجانيته حتى ارتفاع أسعار الدواء وفاتورة الاستشفاء وصولاً إلى عدم وجود ضمان للشيخوخة يبقى المواطن اللبناني يتخبّط يميناً ويساراً، عله يجد نافذة أمل يقوى من خلالها على تأمين أدنى حق في العيش·

اللواء

الإثنين 2/11/2009

أرسلت في الأثنين 02 تشرين ثاني 2009 بواسطة

 

تحاليل اقتصادية: واقع البطالة في لبنان


 


البطالة أم الرذائل تستتر وراء الأجور الزهيدة وساعات العمل شبه المعدودة لتشكل البطالة المقنعة. تعددت أسبابها واختلف نسبها بين دولة وأخرى ما يدفع لإلقاء الضوء حول واقعها وعلة وجودها في لبنان والتساؤل عن مدى ارتباطها بسوق العمل اللبناني وبخصائص القوى العاملة وبمستواها التعليمي والتدريبي.

وفي العودة إلى بعض الدراسات حول القوى العاملة وسياسة العمالة يظهر أن القوى العاملة اللبنانية تعاني مجموعة من المشاكل أبرزها مشكلة البطالة الناتجة عن خلل على الصعيدين الكمي والنوعي في العرض والطلب، وعن تدفق اعداد كبيرة من اليد العاملة غير اللبنانية وعن ضعف واضح في مستوى الإعداد المهني والتقني للقوى العاملة اللبنانية بحيث لم تعد تلبي حاجات سوق العمل. وتقيد الدراسات عن ارتفاع معدل البطالة في الوقت الحاضر نسبة إلى السنوات الماضية في ظل عمليات الصرف من الخدمة والركود الاقتصادي.

وتعتبر سياسة العمالة التي من شأنها تنظيم سوق العمل وتجنبيه البطالة شبه مفقودة في لبنان بحيث لا توجد مؤسسة تتناول العرض والطلب على القوى العاملة لتوفر التوازن بينهما أو لتضع تقديرات مستقبلية للعرض والطلب على القوى العاملة. لذلك يتبين عند العودة إلى تاريخ القوى العاملة اللبنانية أن البطالة ظاهرة تقليدية في سوق العمل اللبناني، وأكبت ولادته ونموه بنسب مختلفة.

لم يعرف لبنان سياسة عمالة منذ نشوئه بسبب نظامه الاقتصادي الليبرالي المفرط في ليبراليته بحيث عاش خارج أطر المراقبة والاحصاءات والضبط حتى أواخر الخمسينات، ومع حكم الرئيس فؤاد شهاب برز وعي لمسألة القوى العاملة وللبطالة من خلال ما تضمنته خطة التنمية السداسية للسنوات الممتدة بين 72 و 77. لكن الاستقصاءات توزع العامطلين عن العمل إلى ثلاث فئات: العاطلون الحقيقيون، الباحثون عن عمل لأول مرة، العاطلون الموسميون…

وتلحظ الدراسات وجود انفصام بين النظام التعليمي وبين سوق العمل بحيث تبقى الخبرة جواز المرور الرئيسي إلى معظم المراتب المهنية، مشيرة إلى ضرورة سعي الدولة وأرباب العمل والنقابات إلى وضع برامج تأهيل متواصل لامتصاص جيوب البطالة وتطوير بعض الأعمال التي يستنكف بعض اللبنانيين عن القيام بها، ولإيجاد جهاز تقصي للأزمات الظرفية، وللتشدد في مراقبة عمل الأجانب ولإعادة النظر في بعض نصوص العمل المتعلقة بالاستخدام والعلاقات المهنية..

وبعد الاطلاع على تاريخ البطالة في لبنان، يحدد الباحثون واقع البطالة الحالي في لبنان بالآتي: تملكت مشكلة البطالة في لبنان جوانب عديدة منها الجانب الكمي المتعلق بمعدل البطالة السافرة، والجانب النوعي المتعلق بخصائص العاطلين عن العمل، كما توجد أشكال أخرى للبطالة كالبطالة المقنعة والعمالة الناقصة.

ومهما تفاقمت أرقام البطالة فإنها تبقى مرتفعة جداً إلى أعلى مستوياتها بالنسبة إلى شباب لبنان، وهي تجاوزت المعدلات المقبولة عالمياً، وبات المجتمع اللبناني مع وجود أكثر من ربع اللبنانيين بلا عمل في أزمة اقتصادية خطيرة، إذ أن البطالة من الأسباب التي تهدد الاستقرار الاجتماعي.

وفي ظل غياب الأرقام الرسمية لعدد العاطلين عن العمل في لبنان حالياً، إلا أن التقديرات تشير إلى أن البطالة وصلت إلى 30%. بمعنى آخر هناك عاطل عن العمل من اثنين خسر وظيفته لأسباب اقتصادية، وهو التعبير المستخدم لتغطية حالتين: إما أن يكون صاحب العمل قد أقفل مؤسسته، أو أن المستخدم صرف بداعي تقليص عدد العمال.

وتظهر الدراسات عدة أمور:

·    هناك مشكلة تتعلق بمدة البطالة، فالشاب العاطل عن العمل، قد يستمر في البحث عن العمل 14 شهراً كحد وسط قبل أن يجده. أما الذين يبحثون عن عمل للمرة الأولى فقد يحتاجون إلى 16 شهراً كحد وسط، وهي مدة طويلة وأسبابها متعددة. هناك شباب قد يقبلون في النهاية عملاً في ميدان مختلف عن ميدان تدريبهم واختصاصهم.

·    إن البطالة تؤدي بالشباب المتعلمين إلى الهجرة للعمل في الخارج، وبهجرة الطاقات والأدمغة اللبنانية يفيد الخارج من خبراتهم وقدراتهم على الإنتاج في مقابل نزف للقدرات المالية والفكرية في لبنان. ومع أن الهجرة تحد من البطالة، لكنها تتسبب بأزمة لأن معظم المهاجرين هم من الشباب الذين يغادرون إلى غير رجعة.

·        إن نسبة البطالة في بيروت هي أعلى منها في جبل لبنان والشمال.

·    فيما تطال البطالة بشكل رئيسي فئة الشبان، ترتفع أصوات نقابة المهندسين والصيادلة والأطباء والمحامين وغيرها من المهن الحرة محذرة من سلبيات التخمة في هذه الاختصاصات.

وفي إطار الحديث عن البطالة، يلفت الخبراء إلى أهمية الإعداد المهني والتقني والنظام التدريسي في تخريج عمال يتناسبون مع حاجات سوق العمل للحد من ارتفاع نسبة البطالة...

النشرة 3118

الخميس 30/8/2007

أرسلت في السبت 01 أيلول 2007 بواسطة

 

تحاليل اقتصادية: أزمة المواطنية الاجتماعية ونظام الطوائف في لبنان (1/5)


 


سياسة توزيعية بسيطة ومحاصصات فوقية لا تخلو من الاعتبارات الضيقة
أعدّ رئيس القسم الاقتصادي في مؤسسة البحوث والاستشارات د. كمال حمدان، ورقة بعنوان «حول أزمة المواطنية الاجتماعية ونظام الطوائف في لبنان»، وهي عبارة عن مسودة للنقاش في إطار العمل الجاري من أجل إعداد التقرير الوطني للتنمية البشرية لعام 2008، الذي سيصدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في خلال العام الجاري. وتنشر «الأخبار» معظم فصول هذه الورقة على حلقات، مساهمةً منها في تعميم النقاش
قد لا يكون في الإمكان الحسم بوجود «مواطنية اجتماعية» في لبنان، إذا ما أردنا احترام التحديد الدقيق لهذا المفهوم كما نشأ وتطور في المجتمعات التي سبقتنا على طريق التنمية. فالمواطنية الاجتماعية تتطلب بداية وجود المواطنية ذاتها من حيث هي في الدرجة الأولى انتماء إلى دولة ووطن، ومن حيث هي أيضاً توق إلى مساواة في الحقوق والالتزامات انطلاقاً مما تراكم من جهد نظري وممارسة عملية يتعلقان بإرساء حقوق الإنسان وتجسيدها في المجالات المختلفة، التشريعية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وإذ لم يتضمن الدستور اللبناني قبل عام 1990 أي إشارة إلى تعبير المواطنية، فإنه لذو دلالة بالغة أن يكون إفراط الأدبيات الرسمية وغير الرسمية في استخدام هذا التعبير بعد عام 1990 قد تزامن عملياً مع التراجع التدريجي للمقومات الموضوعية التي تسمح بوضع مندرجات ذلك التعبير موضع التنفيذ. ويشهد على ذلك اتجاه الانتماءات الضيقة وما دون الدولتية نحو اكتساب مساحات أكثر اتساعاً على حساب الانتماء إلى الدولة وإلى الوطن، وخصوصاً في السنوات القليلة المنصرمة، الأمر الذي يثير إشكاليات وملابسات كبيرة حول مفهوم أو تعبير المواطنية في ذاته، وينسحب بقوة أكبر على مسألة المواطنية الاجتماعية تحديداً.
لم تسمح التركيبة الاقتصادية الداخلية وبنية نظام الحكم الطائفي في لبنان، إضافة إلى التكرار الدوري للأزمات والنزاعات الأهلية المتكررة، في تحقيق تقدم حاسم على طريق بناء الدولة الراعية على غرار ما حصل في الدول المتقدمة وما نشأ تاريخياً في البلد من شبكات أمان وحماية اجتماعية ظل يتميز بالضعف والاختلال، ومعظمه تحقق كردّ فعل على أزمات موضعية دون أن يندرج ضمن رؤية استراتيجية للمسألة الاجتماعية عموماً. ولا يقلل من أهمية هذا الاستنتاج اشتمال الميثاق ومن بعده اتفاق الطائف على نصوص تناولت الالتزام بتطوير الحقوق الاجتماعية، لأن تلك النصوص بقيت عامة وأقرب إلى إعلان نوايا، فضلاً عن كونها اتسمت بقدر كبير من الازدواجية والتبعثر وأحياناً التنافر. هذا مع العلم بأن الأدبيات المتداولة في لبنان حول الشأن الاجتماعي تبدو غزيرة جداً. لكن المشكلة تكمن في أنه لم تتم الإفادة مما انتهت إليه من خلاصات وتوصيات، على نحو يسمح باستثمارها في بلورة وإغناء وتطوير القوانين والمراسيم التنظيمية والتطبيقية المتعلقة بالمجال الاجتماعي، وبخاصة ما يتعلق منها بموضوع الحقوق الاجتماعية بالذات. ويعبر هذا الواقع عن افتقاد الدولة (وربما المجتمع) إلى رؤية مستقبلية ناظمة لهذا المجال، كما يعبر، على مستوى أعلى عن عدم توفر إرادة سياسية واضحة ومحددة في التغيير الاجتماعي لدى المتعاقبين على حكم البلاد.

تطور المقاربات الرسمية

يمكن، بإيجاز شديد، التمييز بين ثلاث مراحل رئيسية في نسق مقاربة الدولة (والمجتمع) للمسألة الاجتماعية في لبنان.
أ ـ المرحلة الأولى غطت الحقبة الشهابية، بتفرعاتها المختلفة، وبخاصة الستينات والنصف الأول من السبعينات من القرن المنصرم. وشهدت هذه المرحلة لأول مرة منذ الاستقلال بداية تشكل إطار لسياسة اجتماعية في البلاد، نتيجةً لما أفضت إليه، في بداية تلك الحقبة، أعمال بعثة إيرفد بشأن واقع الاختلالات الاجتماعية والتفاوتات المناطقية الحادة وتركز الدخل والثروة وانتشار أحزمة البؤس المديني، ولا سيما في العاصمة وضواحيها، وذلك في وقت كان فيه الاقتصاد اللبناني يسجل معدلات نمو مرتفعة نسبياً. وتجلّت المعالم الأساسية لهذا الإطار الاجتماعي في إطلاق الدولة عدداً من التدخلات الهادفة إلى النهوض بالوضع الاجتماعي. ومن الثابت أن مكاسب مهمة قد تحققت في تلك المرحلة لفئات اجتماعية متوسطة وفقيرة، وخصوصاً بالنسبة إلى خدمات التعليم الرسمي، وبنسبة أقل الخدمات الصحية. وأبرز ما تميزت به تلك المكاسب، أنها لم تأت كنتيجة فقط للتوجهات الإصلاحية التي رافقت الحقبة الشهابية، بل أتت أيضاً بفعل الدور الصاعد آنذاك للحركات الاجتماعية ذات الطابع الديموقراطي والمدني، التي انتشرت على نطاق واسع في صفوف العمال والمزارعين والطلاب. أي بكلام أوضح، إن تلك المكاسب قد انتزعت، ولو جزئياً بفعل توازنات غلب عليها الطابع الاجتماعي ـ الطبقي أساساً أكثر مما غلب عليها الطابع الطائفي والمحاصصات الفوقية.
ب ـ المرحلة الثانية هي المرحلة التي غطتها الحرب الأهلية. وقد تميزت هذه المرحلة، بتردي أوضاع المرافق الاجتماعية التي أطلقت في المرحلة السابقة وبانهيار مرتكزات نظام الخدمة العامة. ولم ينجم هذا التردي أساساً عن تقلص ما اصطلح على تسميته الإنفاق العام الاجتماعي الذي استمر يشكل عنصراً مهماً نسبياً في موازنات الدولة خلال سنوات الحرب، بمقدار ما نجم عن سوء الأداء العام في إدارة هذا الإنفاق وبلورة احتياجاته وأولوياته، والتثبت من وصول المنافع المتأتية عنه إلى مستحقيها. وفي معرض التكيّف مع نتائج الحرب اتجه القطاعان الخاص والأهلي، إضافة إلى الميليشيات نحو الاضطلاع واقعياً بدور تدريجي بديل لدور الدولة، في توفير جانب من الخدمات العامة التي تخلّت الدولة عن تأمينها. وغالباً ما تقاطعت المصالح موضوعياً بين هذه الأطراف الثلاثة، والأمثلة لا تعدّ ولا تحصى في هذا المجال وقد ساهمت أنساق تمويل اقتصاد الحرب في ملء بعض من الفراغ الاجتماعي الذي نجم عن الأحداث، وإن بكلفة بشرية واقتصادية وبيئية عالية... ويمكن الاستنتاج أن المحصلة الاجتماعية لهذا النزاع الأهلي قد تمخضت عن الاهتزاز المريع للمقوّمات الاجتماعية التي كانت المرحلة السابقة قد سجلت بداياتها الفعلية تأكيداً لحق المواطن في الخدمة العامة.
ج ـ المرحلة الثالثة، هي التي تلت انتهاء الحرب الأهلية. وقد اتّسمت هذه المرحلة في جزئها الأول الممتد حتى عام 1997، بغلبة الإنفاق الإعماري، وإعادة بناء القوى الأمنية والقضاء، وإلحاق جزء من المتقاتلين بأجهزة الدولة، إضافة إلى إقرار عدد من تصحيحات الأجور تعويضاً عن غلاء المعيشة. لكن الموضوعات الاجتماعية الأساسية بقيت تحتل آنذاك مرتبة ثانوية نسبياً، حتى بالنسبة إلى المشاريع الاجتماعية، التجهيزية والإنشائية، المشمولة في البرامج الإعمارية فما أنفق فعلاً على هذه المشاريع ـ كنسبة من إجمالي الإنفاق الإعماري ـ ظل محدوداً، ثم إن تنفيذه تميز بالبطء عموماً، بالمقارنة مع تنفيذ المشاريع الإعمارية القطاعية الأخرى. وربما كانت النظرة الرسمية الدونية للموضوع الاجتماعي آنذاك محكومة بفلسفة ضمنية، مفادها أن إطلاق عملية الإعمار من شأنه أن يحفّز النشاط الاقتصادي تلقائياً، وهذا يفضي بدوره إلى توفير معالجات مناسبة للقضية الاجتماعية. وقد يكون من ضمن العوامل التي شجعت على تبنّي هذه النظرة السطحية، تسجيل البلد معدّلات نمو اقتصادي مقبولة نسبياً في تلك الحقبة (وإن كانت تلك المعدلات لا تزيد كثيراً على نصف ما كانت قد توقّعته للفترة نفسها البرامج الإعمارية الأولى في بداية التسعينات)، الأمر الذي راهن عليه أهل الحكم ضمناً كي يكون البديل العملي لتدخلات اجتماعية أكثر جرأة وفاعلية في المدى المتوسط... أما في الجزء الثاني من هذه المرحلة وبخاصة بعد عام 1997، فقد انخفضت معدلات النمو الاقتصادي إلى نحو نصف ما كانت عليه خلال الفترة 1993 ـ 1997 (بحسب ما أظهرته بيانات المحاسبة الوطنية للفترة 1997 ـ 2005). كما اتجهت مشكلة الدين العام إلى التفاقم مرتدية طابع الحلقة المفرغة ذات القطبين. واحد يضغط سلباً على دخل الأكثرية الساحقة من اللبنانيين عبر ما يقتطعه من دخلها في شكل إيرادات عامة مخصصة لتأمين خدمة الدين، والآخر يؤول إليه الجزء الأكبر من هذه الإيرادات في شكل فوائد دائنة لمصلحة شريحة اجتماعية ريعية أو شبه ريعية تحتل مواقع أساسية مباشرة وغير مباشرة داخل الحكم وفي قطاعات محددة من الاقتصاد. ولم يكن ممكناً أن يعاد إنتاج هذه الحلقة المفرغة بصورة مستدامة، لو لم تتوفر شروط أساسية ثلاثة: استمرار تدفقات رؤوس الأموال من الخارج بصيغ شتى من جهة، والارتفاع التدريجي المثير في حجم الاقتطاع الضريبي، ولا سيما غير المباشر منه من جهة ثانية، ثم التفاهم المثالي من جهة ثالثة بين القطاع المصرفي والسلطات العامة، ولا سيما السلطتين المالية والنقدية.

اتجاهان: تعويضي ووقائي

وفي مواجهة ما انطوت عليه هذه التطورات من تدهور اجتماعي إضافي في فترة ما بعد 1997، ركزت الدولة جهودها في اتجاهين، أحدهما تعويضي والثاني وقائي. الاتجاه التعويضي ركز على الزيادة التدريجية (الكمية) لما درجت الحكومة على وصفه إنفاقاً اجتماعياً (نفقات وزارات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية)، مع العلم بأن معظم هذا الإنفاق يذهب للرواتب ولواحقها. وقد اقترن هذا التوجه بارتفاع ما تمثله هذه النفقات كنسبة من إجمالي نفقات الموازنة، كما يتبين من مشاريع الموازنات المتعاقبة. أما الاتجاه الوقائي فقد تمثل في تحضير الدولة سلسلة من الإجراءات الاجتماعية، قبيل انخراطها العملي في تنفيذ برنامجها الإصلاحي الداعي إلى مزيد من التحرير الاقتصادي وإعادة هيكلة الإدارة والوظيفة العامة وخصخصة عدد من المرافق واستكمال الإصلاح الضريبي وإعادة النظر في تعريفات وأسعار بعض الخدمات، مع ما لذلك كله من تبعات اجتماعية مباشرة. وتركز جوهر هذه الإجراءات الوقائية في سعي الدولة إلى استحداث وتطوير شبكات أمان، الهدف منها التخفيف من آثار التصحيحات الهيكلية على جيوب الفئات الاجتماعية الأشد فقراً وانكشافاً.
وانعكس هذا الاتجاه في تكثيف الدولة لخطابها في الميدان الاجتماعي، عبر أعمال لجان وتقارير ودراسات ومؤتمرات ومشاريع قوانين ونصوص تشريعية، مستعينة بالدعم التقني المقدم من المنظمات الدولية المختلفة ومن بعض الدول المانحة. وتم إدراج محصلة هذا التوجه في ورقة مؤتمر باريس 3، ومن ثم في سعي الدولة لاستحداث إطار مؤسسي ينسق عمل الوزارات والمؤسسات العامة المعنية بالشأن الاجتماعي. غير أن التقدم الفعلي على هذا الطريق بقي محدوداً لاعتبارات عدة، أهمها، إضافة إلى الأوضاع السياسية السائدة، الافتقاد إلى رؤية استراتيجية ذات بعد كلي، وإلى خطط وبرامج زمنية وأطر مؤسسية فاعلة، ثم بخاصة إلى موارد بشرية قادرة على الاضطلاع بالتنفيذ. وهذا ما جعل المردود الفعلي للجهود المبذولة لا يتناسب وحجم الوعود التي راهنت عليها تلك الجهود.
ولعل أكثر ما ميّز المرحلة الثالثة، أن ما يمكن اعتباره قد تحقق خلالها من زيادة في بعض أنواع التقديمات أو المنافع الاجتماعية قد اندرج في معظمه ضمن سياسة ذات طابع توزيعي بسيط، تعويضاً عن التفاوت الاجتماعي الحاد واختلال العلاقة بين الدخل الوسطي وكلفة المعيشة. وقد تحقق في معظمه بالاستناد إلى محاصصات فوقية لا تخلو من اعتبارات ضيقة، طائفية ومناطقية وفئوية، في الوقت الذي كانت فيه الحركة العمالية والنقابية تتجه نحو التشرذم، والتطييف والأفول. ويتناقض هذا إلى حدّ كبير مع ما حصل في المرحلة الاولى ـ أي في الستينات والسبعينات ـ حيث تم انتزاع التقديمات والمنافع الاجتماعية لتوازنات اجتماعية وطبقية ذات سمات مدنية ووطنية، وكان للحركة العمالية دور بارز في صنعها.

 

 

المحددات المفهومية

ترتدي مقاربة المواطنية الاجتماعية في بلد كلبنان، تعقيدات من نوع آخر مستمدة من واقع المسار المأزوم والذي تجسد في تدهور معظم المؤشرات الكلية: انخفاض معدلات النمو إلى نصف أو حتى ثلث ما كانت قد توقّعته برامج الإعمار، ترسخ آليات التورم النقدي على حساب تطور الاقتصاد الحقيقي، تراجع معدلات الاستثمار وفرص العمل المتاحة، تفاقم أزمة المؤسسات، تراكم العجز وتعاظم الدين، اختلال الحسابات الخارجية، انتشار بؤر الفقر المديني والريفي وعدم فاعلية شبكات الأمان الاجتماعي واستفحال الهجرة

الأخبار

الثلاثاء 29/1/2008

أرسلت في الأثنين 28 كانون ثاني 2008 بواسطة

http://www.moqatel.com/openshare/indexf.html

http://www.marxists.org/arabic/glossary/terms/index.htm